اشترك:

الثلاثاء، 24 أبريل 2012

فاشر السلطان


إحساس غريب اجتاحني و أنا ألملم أشيائي من متاع و بعض التخيلات لقافلة تخرج من مكان ما محملة بالبخور والعطور تعبر الفيافي لتعبر البحر الأحمر ,يحرسها فرسان أقوياء من أشرس مقاتلي السلطان علي دينار الذي أعتاد أن يرسل هذه القافلة كل عام لكسوة الكعبة الشريفة ,هكذا كنت أحزم حقيبتي و أنا أردد بلا وعي كلمات لأحد أصدقائي كان يباغتني بها كلما سألته عن أفضل زمن تمنى أن يعيشه , فكان يقول لي :
يوم كنا نبعث للكعبة كسوتها .
الرغبة والرهبة وشوق دفين بدأ ينتفض من رماده و وخز حزن أخذ يلسعني كلما إقتربتُ من الطائرة التي ستقلني للمرة الأولى صوب الغرب وإلى مدينة الفاشر بالتحديد , إذاً هي المرة الأولى التي أركب فيها طائرة والمرة الأولى أسافر فيها صوب إحدى شرايين هذا الوطن المقطوع في الأطراف , غريب أنا في هذا الوطن ,هذا الإحساس تملكني و أنا أجلس داخل الطائرة تحيطني وجوه لم آلفها من قبل داخل أسوار الوطن بهذه العددية الكبيرة ,من بلاد البنغال وشيلي و النيجر ونيجيريا وباكستان وغيرهم , عبارة عن أفراد لبعثة الأمم المتحدة و الإتحاد الأفريقي في دار فور.
الغُربة تحاصرني ولم أجد ما يحمل معي ألمها غير كتاب (الجسد حقيبة سفر) لغادة السمان إذاً ها أنا أحمل جسدي وبداخله كل أمتعتي المعنوية أبحث عن دفء لوطن مفقود داخل جسد هذه الطائرة المكتظة بالوجوه الباردة من بريطانيين و أتراك ومصريين , لست أدري لماذا قفزت إلى ذاكرتي أيام الإستعمار ومحمد علي باشا و الدفتردار ورأس غوردون ومحمد أحمد المهدي يحاصر الخرطوم , وخيط طويل لتاريخ عتيق يحوم حول راسي إنقطع باصطدام عجلات الطائرة بمدرج المطار لحظة الهبوط معلنة وصولنا لفاشر السلطان علي دينار لنبدأ بعدها رحلة التوغل داخل المدينة صوب السكنات .
الفاشر مدينة تباغتك بالهدوء للوهلة ولافتة في الطريق إلى قلب المدينة مكتوب عليها (جتاً جيتو ) لتجد بعدها نفسك وسط السوق المذدحم بالخضار ومخلفات الحرب البشرية من أشخاص رسم ملامحهم الذعر والتشرد ,وفي الطريق  تناثرت الوجوه الشاحبة ,الإنسان ليس كما كان في السابق حيث أصبح منزوع منه دسم الطمأنينة فأصبح كأي طعام معلب منزوع الدسم .
أعترف يومها بأنني خرجت من دائرة الحزن الصامت بأن وجدت أعيني يفيض مدها المالح ليغرق جفنيها لتحتجب الرؤية ثوانيٍ معدودة لمنظر النساء القادمات من قرى إلتهمتها الحرب  وشتت و هن يقمن بالعمل في بناء المنازل يحملن الطين و الحجارة وينقلن الماء ,عجباً لهذا ..الرجال يحملون السلاح للدماء وحواء هنا تحمل الطين للبناء يا لها من متناقضات في زمن الحرب والفجيعة.
نحن نتصارع منذ أن وُجد وطن يسمى السودان ,برغم أننا كلنا نرجع لآدم وحواء إلا أن الصراع القبلي موجد فينا منذ أمد بعيد ,حملنا السلاح نتقاتل ما إنتهى القتل ولكننا كدنا ننتهي ,جربنا الحرب لعشرات السنين ولم نجني سوى الدمار والقتل والتشرد والتخلف ,فلماذا لا نجرب السلام والطمأنينة ولو لعام واحد وبعدها نقارن مابين الحرب والسلام.
ونفس السؤال يراودني ...
إلى متى نظل هكذا يا وطني ؟؟؟
إقرأ المزيد ›› Résuméabuiyad

السبت، 21 أبريل 2012

شوارعية .. سنابلُ قمحٍ على الطُرقاتِ


طالت الشمس
أم الغصن الذي استظللته
مالت به الريحْ
فأفضى سره الزمن
المفرق بيننا
فظاً فحظا؟!
عهدي بك الأيام
سوف تعود ذاكرة الليالي
وينقضي عنا زمان الغائبين
أتُرى نغيرُ ما بداخلنا
للحظة؟
(عثمان بشرى)

(شوارعية) شباب يصنع ريشه من الغناء و الشعر و التمثيل يُحَلِقون في طرقات الخرطوم، ينثرون الضوء في عتمات النفوس ..  مسرحهم الشارع (شوارعية)  يزرعون سنابل الأمل في أروح العشرات الذين يتحلقون حولهم .. ما أجملهم من شباب ..و ما أحوجنا لمثلهم لزراعة الخير في نفوسنا و إزالة (الغباش) من على عيوننا حتى نرى الحقيقة و الخير و الجمال من زاوية أكثر و ضوحاً و إفتضاحاً ..
علمت أن نشاطهم مساء الجمعة ( يوم الخميس 19/04/2011) خرجت أبحث عنهم بعد أن دلني إليهم صديق حبيب إلي و هو واحد منهم .. لم أتكلف الكثير من العناء للوصول إليهم .. فهم من البساطة أن يصلهم كل إنسان بسيط و من الجمال و الإبداع ما يجعل العشرات يتحلقون حولهم في دائرة كبيرة على رصيف ( شارع النيل ) مسرحهم هذه الدائرة من البشر و داخلها دائرة أخرى صنعوها من الشموع .. و صلت إليهم بعد إنطفاء الشموع بقليل .. فججتُ الحضور و حضرت ففاجؤني من الوهلة الأولى بفيض من الإبداع .. مسرح على الهواء و مسرحية يفعل الظل فيها ما يأمره صاحبه .. و أنا أصفق لهم لأنهم إخترقوا دواخلى و زرعوا فيها بزور الخير و الحب و قنديل من النور سوف يشع ..
غنوا للوطن و مثلوا للمواطن كيف يعيش (  ففي مسرحيتهم الساخرة و الساخطة إحتضان قدر الفول ، كان التمسك بالحق في الحياة ) علموا الحضور أن يشعلوا الضوء لمن يلعلن الظلام .. أما أنا فلعنت حظي العاثر لأنني عثرت عليهم متأخراً ..
غنوا صدقاً فكان إحساسهم يصل إلى القلب مباشرة يقولون للذين يتحلقون حولهم نحن منكم يا أهل الوطن السمح سماحة يوسف .. كم كنت فخور بهم لأنهم شباب يعرف الطريق إلى الصحيح وصحة أن يكون هنالك إنسان يستمتع بكل إنسانيته ..
( شوارعية ) كلمة كان يقولها الأهل للإبناء الذين جعلوا الشوارع مكاناً لنشاطاتهم الغير حميدة .. و لكن هؤلاء الشباب إستطاعوا أن يغيروا هذه المفردة من معناها السالب إلى مفهوم إيجابي يعمل على صنع أفكار سوية جداً لترسيخ مفاهيم الخير و الجمال و الحق و قبل كل ذلك جعل الجمال كما الخبز يمنحونه لكل من جاءهم يسعى و هم يتخذون شعارهم كلمات عميقة لـ(عثمان بشرى ) :-
نحن لا نغير ما على الأرض
ولكنا نصورها
بما يُرضي العصافير
وآراء الصغار

ببساطتهم العملاقةً غيروا الكثير من أرائي عن جيل الشباب اليوم  من جيل عاجز عن صنع نفسه و جعلوني أقتنع تماماً أن هنالك شباب قادر على صنع إنسان متطور فكرياً و مُدرك تماماً لما له من حقوق و ما عليه من و اجبات .. فهم في إعتقادي يمثلون الشباب المدرك لهموم و طنه و إنسانية المواطن ..
( شوارعية ) الطريق أماهم طويل و الليل أحلك و لكني واثق تماماً انهم قادرون على التوقد و الإشتعال لإنارة ( الشوارع ) بافكارهم الجميلة و الأنيقة .. أؤمن بذلك طالما ظلوا متماسكين و ممسكين بحبال أفكارهم التي ليس بينها وبين الشارع أي حجاب .. يخرجون للناس في الطرقات و الأرصفة يمنحونهم ماء إبداعهم من شعر و غناء و مسرح و بعض لوحات تشكيلية يعرضونها في الهواء الطلق و يطلقون عصافير المحبة و السلام ..
إنتهى عرضهم الإبداعي في ذلك المساء، مضوا و مضيت أنا و في رأسي خيال لهم و هم ينبتون كما السنابل في كل مدينة في هذا الوطن سبع سنابل و في كل سنبلة مائه ( شوارعي ) يوقدون الأمل في النفوس .. حقاً إستحقوا كل صفقة و جعلوني أعقد العزم على مطاردتهم في ( الشوارع ) كل خميس لأقتبس من إبداعهم بعض الضوء ..

إقرأ المزيد ›› Résuméabuiyad

الجمعة، 20 أبريل 2012

داهمني النهار


داهمني النهــارُ و العصــافيرُ طــارت



إقرأ المزيد ›› Résuméabuiyad

الاثنين، 16 أبريل 2012