عن أمي حجة خديجة بائعة الشاي في "أتنية" أروي حديث حميم تحدثني به كلما أتيت إليها ورأسي "يطنطن" من تراكمات الذاكرة، تسألني:-أسوي ليك شاي؟أجاوبها بنعم حنينة كرائحة النعناع التي تفوح من كوب الشاي الذي أرتشفه حتى آخر قطرة تسقط داخلى فمي لتسترح داخلي بعد سفر طويل من مزارع الشاي في كينيا مرورا بماكينات التعبئة وعربات الشحن والطرقات المتعرجة الوعرة هنالك على الحدود حيث عساكر الشرطة المرتشين الذي يسمحون لمرور شحنة الشاي بعد أن تمتلئ جيوبهم بعلب الدخان، يعبر الشاي كل ذلك ليتحول بعدها إلى كوب شاي بالنعناع تحضرة حجة خديجة لتستريح بعده آخر قطرة داخل جوفي و أستريح بعدها أنا عندما يتعرق حبيني وتلفحه نسمة هواء باردة، أحس بطيوف نعاس لذيذ في هذا المكان "أتنية" حيث قلب العاصمة الخرطوم، قلبها القديم الذي مازال يتسع لإستيعاب الجميع مثقفين، سياسين، فاشلين، باعة جائلين و بعض الذين يبحثون عن فتات عشق ينعش أرواحهم المصابة بالجفاف، تستوعبهم جميعا حتى الغرباء أصحاب العيون الصغيرة الذين يأتون إلى هذا المكان لشراء المنحوتات الفلكلورية و المشغولات اليدوية، أقهقه في داخلي عليهم لأنهم بالأمس كأنوا يأتون إلى بلادنا عمال إنشاءات ما أن ينتهون من عملهم حتى تختفي الكلاب من المنطقة المحيطة بمكان عملهم وإلى الأبد لأنهم يدخلونها في سلسلتهم الغذائية مع بعض البهار والخضروات، أضحك في داخلي ساخرا ﻷنهم أصبحوا يجيئون وهم يمتطون فارهات سيارات مراسم القصر الجمهوري فهذه وحدها صورة فلكلورية منحوتة بسخرية ساخطة.هذا مكان حميم حتى الحمام يأتي إليه ويتطاير حول ذلك المجنون الذي يقدم له جزء من طعامه الذي يحملة داخل جواله البلاستيكي المهترئ.أطوف .. أطوف ومن ثم أعود لحجة خديجة وهي تقلب نار الفحم وتنفض عنها الرماد لتعد كوب قهوة لشخص جاء متبرما و أخذ يمتص دخان سجارته بشغف شديد، أنظر إلى حجة خديجة مبتسما وأحدثها كفافا عن بعض الأشياء الصغيرة من شظف عيش وعبس سياسة فتحدثني عن إرتفاع أسعار الشاي وزيادة تعريفة المواصلات وعن ذلك "الحكيم" الذي يأتي ليحتال بعض الجنيهات من زبائنها مدعيا أنه شاعر و مثقف و مفكر وربما عالم آثار ولو أنك صبرت قليلا فإنك سوف تعلم منه أنه من إكتشف كوكب المريخ ثم يأخذ جنيهاتك وينصرف لتجده بعد نصف ساعة عند طرف الطريق يترنح بعد أن تحولت جنيهاتك لمشروب روحي بلدي، هههه أضحك لحديث حجة خديجة وقبل أن إنصرف تقدم لي كوب شاي وتقول:-أشرب الشاي دا أنا عازماك ليهوانصرف بعدها أحمل في روحي ذرات حميمة من هذا المكان .. ذرات تلتصق بي و تشدني للمجيئ مرات اخرى لتدور ذات الصور و الأحاديث الحميمة.."أتنية" مكان له سحر يشدك إليه، وحجة خديجة لها روح خفيفة تدخلك بسهولة ولا تخرج أبدا..
29-1-2014
11:40pm
0 التعليقات:
إرسال تعليق